مؤسسة مهجة القدس ©
ميعاد مع ميسرة
بقلم: جواد بولس
لم Ø£Øبّ مدينة بئر-السبع. دائمًا كانت لدي كامرأة تصطنع الشهوة. مدينة بلا رائØØ© ولا أنوثة. ÙÙŠ كل مرّة دخلتها، أو عبرت منها، Ø£Øسست أنها تليق أكثر بالخسارة وبالمقابر، أو كساØات لمعارك، كتلك التي ÙÙŠ قصص الصØاري والرمال.
بئر السبع كانت طريقنا ÙÙŠ أواخر الثمانينات Øين سرت قواÙÙ„ المØامين لتنهب الرمل قبل ساعات الÙجر وصولًا إلى سجن ”أنصار“ النقب. لسنوات أنهكتنا المساÙات والشمس. آلا٠من أبناء Ùلسطين نقلوا إلى Øيث الهباء والضياع، رمال تØوّلت إلى نصّ جديد ÙÙŠ نصوص ملØمة الخيام واللهب. تراÙعنا عنهم، أنا ورÙاقي من المØامين ÙÙŠ تلك المسيرة، ÙˆØاولنا أن لا يبقوا أرقامًا ÙÙŠ سÙر القمع الاØتلالي الصهيوني. منها عبرنا ومنها عدنا بالخيبات والوجع. ÙÙŠ الذاكرة أبقت تلك المدينة عتمة، وربما تذكارات لهزائم ما زالت تتتابع على وقع مقام ”النكبة“.
كان الهواء ساخنًا. ÙÙŠ الجو Ø±ÙŠØ§Ø ÙƒØ£Ù†Ù‘Ù‡Ø§ مراسيل غضب. صباØات القدس، ÙÙŠ العادة، طريّة ومنعشة، لكنّ ØµØ¨Ø§Ø Ø§Ù„Ø£Øد الماضي لاءم ما وصÙت رواية وكتب، عندما انشقّت سماء وأرض وقام من بين الأموات من داس الموت بالموت ليصعد الى السماء Ùاديًا كل البشر من الخطيئة. كان الجو خماسينيًا مزعجًا عن غير قصد، تمامًا كما يليق بالØكايا الكبيرة التي رØÙ„ أبطالها وتركوا وراءهم ميراثًا سيكون ويبقى ككل ميراث: مدعاة لقتالات بني البشر، طامعين وشرهين، وإخوة أعداء.
بدأت رØلتي مبكّرًا قاصدًا تلك المدينة التي لم تكن يومًا عذراء. مستشÙÙ‰ ”سوروكا“ وجهتي، Øيث يرقد ابن Ùلسطين ويعاني على طريق آلامه من طعنة الجند، خطاة العصر، يسقونه الخلّ والØنظل. كأنني على شوك، أسرع كي أصل عند ميسرة أبو Øمدية، الذي أخاله هناك يصرخ: لماذا تتركوني هنا ÙˆØيدًا؟!
ÙÙŠ البهو الرئيسي لمبنى Øديث يزيد المكان بشاعة، ÙƒØنّاء على وجه قردة، ينتصب تمثال كبير لرأس ”بن غوريون“. تمرّ أمامه وتشعر كأنّك تمرÙÙ‘ من أمام ناÙورة تبقبق غطرسة وشماتةً. ÙÙŠ كل مرّة أمرÙÙ‘ من هناك، Ø£Øاول أن لا ألتÙتَ لموضع الوجع ولكن تبقى الجروØØŒ دومًا، نضّاØØ©.
لم أجد ميسرة ÙÙŠ غرÙته ÙÙŠ قسم الأمراض السرطانية. Ø®Ùت، ÙÙÙŠ زيارتي السابقة عرÙت أن المرض قد تمكّن منه. وجهه كان كوجه من Ùارقت٠من Ø£Øبّائي قبل أن سلّموا الوديعة ورØلوا.
كان ÙÙŠ غرÙØ© العلاج الكيماوي. من بعيد لونه كالليمون. صرخت ببعض الكلام. اعترضني ثلاثة يشبهون Ø£Ù„ÙˆØ§Ø Ø§Ù„Ø®Ø´Ø¨. صرخوا بوجهي، Øجبوا عني الرؤية ومنعوني من الوصول إليه. سمعت عنّته من بعيد. تيقّنت أنه على قيد الØياة وبدأت معركتي معهم. كانوا كجند ذلك الزمان، غلاظًا قساة، عقولهم ÙÙŠ نعالهم ولا يجيدون من اللغات إلّا لغة المطارق والرماØ.
أعيد ميسرة إلى غرÙته. بعد عراك، نجØت بالدخول عنده والجلوس بجانبه. رÙع نصÙÙ‡ العلوي واتكأ بظهره على السرير Ùصار شموخه أمامي أكمل. على وجهه بسمة ذلك الرجل الشجاع. بسمة مليئة بالدÙØ¡ والوقار وتخÙÙŠ كثيرًا من ألم. تØدّثت ناقلًا ما ÙÙŠ جعبتي من أخبار وقلق عليه وصلاة لشÙائه وعودته إلى عرينه سالمًا معاÙÙ‰. سأل وتساءل وكان يعر٠عن وضعه ما أعرÙÙ‡ وأكثر، Ùالطعنة ÙÙŠ خاصرته والخلّ يملأ صدره والطريق وصلت إلى Ù…Øطتها الأخيرة. كان صوته خاÙتًا. المرض أصاب، أوّل ما أصاب، مريئه. تØدّث ببطء ولكن بكبرياء مناضل. طلب أن أنقل السلام لأهله وتمنى أن يرى Ø£Øبّته هناك. Øمّلني التØية لكل من وق٠إلى جانبه ومع قضية أسرى Ùلسطين. بعزة عاشق عبّر عن شوقه لتراب الوطن، وبÙØ±Ø Ø¹ØµÙور Øلّق على Ø¬Ù†Ø§Ø Ø£Ù…Ù„ وأمنية أن لا يطول بقاؤه ÙÙŠ المستشÙى، Ùهو مشتاق ليعود إلى رÙاقه ÙÙŠ السجن، شركائه ÙÙŠ الهم والØلم.
كانت ذراعه اليسرى مربوطة بطر٠السرير وكذلك كانت ساقه اليمنى. صرخت بـ“Ø£Ù„ÙˆØ§Ø Ø§Ù„Ø®Ø´Ø¨“ØŒ ليزيلوا تلك الأصÙاد. بهدوء قائد وكبريائه، طلب أن أكÙÙŽÙ‘ عن مخاطبتهم ومطالبتي إياهم. أعادني بسرعة إلى Øديثنا، Øيث يجيد هو لغة الØب والأمل، وأجيد أنا الإصغاء ”لما يقوله الغبار للسرو“. بانت على وجهه علامات التعب. نصØته بأن ÙŠØاول النوم Ùما تعرّض له كان ثقيلًا ومنهكًا، بعد مكابرة اعتر٠بأنه يشعر بآلام شديدة. طلبت من الممرضة أن تسقيه بعض المسكن. قبل أن ينام أخذ بيدي وبقلبه ضغط وقال: سلّم على جميع الأØبة، أنتظرك يوم الثلاثاء.
عائدًا، مررت٠ÙÙŠ ذلك البهو، ميسرة ÙÙŠ سريره ينام بهدوء مناضل ويØلم كعاشق. بجانبه ثلاثة جرّدوا من آدميتهم وتØوّلوا إلى بلطات متØرّكة. أركب سيارتي. Ùيروز ÙÙŠ ÙصØها تصلي ”اليوم علÙّق على خشبة“. وجه قلب ميسرة ÙÙŠ راØتي. صوته يغلب صوت Ùيروز ويملأ الÙضاء: أترك هؤلاء المخلوقات لا تطلب منهم ÙÙƒ تلك الأصÙاد. كأنه يقول لي أتركهم، هذه الأصÙاد Ù…ÙØ§ØªÙŠØ Ø¹Ø²ØªÙ†Ø§ ونياشين كراماتنا، أتركها Ùهي سروجنا للعلا ومراكبنا للغيم والسماء، أتركها أقÙالًا على ضمائرهم ووصمات عار ستبقى على جبينهم.
أغادر تلك المدينة التي لا Ø£Øب. أبتعد ÙÙŠ الرمل. Ùيروز تنهي صلاتها. لتعلن أن هذا هو يوم عظيم لأن الØكمة دومًا تكون مع من يسير على درب الآلام.
أبتعد عن مكان الخسارة، وأترك ميسرة نائمًا على الغيم، كم كنتَ Øكيمًا يا عزيز. لك المجد والعزة ولهم العار والذلة، ولي وعدي لك أن نلتقي ÙÙŠ ثلاثاء Øتمًا ستأتي.
(المصدر: شبكة قدس، 05/04/2013)